Sabtu, 03 September 2011

باب حد الشارب وبيان المسكر

باب حد الشارب وبيان المسكر
عَنْ أَنس بن مالك رضي اللّهُ عنهُ: "أَنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أُتيَ برجلٍ قدْ شرب الخمْر فجلدهُ بجريدتين نحوَ أربعين، قال: وفعَلَهُ أَبو بكر، فلما كان عمر استشار النّاس، فقال عبدُ الرَّحمن بنُ عوْفٍ: أَخفُّ الحدود ثمانون، فأَمر به عُمرُ. متفقٌ عليه.
(عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال:) أي أنس (وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخفّ الحدود ثمانون فأمر به عمر. متفق عليه).
الخمر مصدر خمر كضرب ونصر خمراً يسمى به الشراب المعتصر من العنب إذا غلي وقذف بالزبد وهي مؤنثة وتذكر. ويقال خمرة.
وفي الحديث مسائل.
الأولى: أن الخمر تطلق على ما ذكر حقيقة إجماعاً وتطلق على ما هو أعم من ذلك وهو ما أسكر من العصير أو من النبيذ أو من غير ذلك.
وإنما اختلف العلماء هل هذا الإطلاق حقيقة أو لا؟.
قال صاحب القاموس: العموم أصح لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب، ما كان إلا البسر والتمر انتهى. وكأنه يريد أن العموم حقيقة.
وسميت خمراً؛ قيل: لأنها تخمر العقل أي تستره فيكون بمعنى اسم الفاعل أي الساترة للعقل. وقيل: لأنها تغطى حتى تشتدّ يقال خمره أي غطاه فيكون بمعنى اسم المفعول. وقيل: لأنها تخالط العقل من خامره إذا خالطه ومنه.
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر. أي مخالط.
وقيل: لأنها تترك حتى تدرك ومنه اختمر العجين أي بلغ إدراكه، وقيل: مأخوذة من الكل لاجتماع المعاني هذه فيها.
قال ابن عبد البرّ: الأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه.
قلت: فالخمر تطلق على عصير العنب المشتد حقيقة إجماعاً. وفي النجم الوهاج: الخمر بالإجماع المسكر من عصير العنب وإن لم يقذف بالزبد.
واشترط أبو حنيفة أن يقذف وحينئذٍ لا يكون مجمعاً عليه.
واختلف أصحابنا في وقوع الخمر على الأنبذة: فقال المزني وجماعة بذلك لأن الاشتراك في الصفة يقتضي الاشتراك في الاسم وهو قياس في اللغة وهو جائز عند الأكثر وهو ظاهر الأحاديث ونسبه الرافعي إلى الأكثرين أنه لا يقع عليها إلا مجازاً.
قلت: وبه جزم ابن سيده في المحكم وجزم به صاحب الهداية من الحنفية حيث قال: الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم.
ورد ذلك الخطابي وقال: زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم: إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمراً عرب فصحاء فلو لم يكن الاسم صحيحاً لما أطلقوه.
وقال القرطبي: الأحاديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمراً، ولا يتناوله اسم الخمر، وهو قول مخالف للغة العرب للسنّة الصحيحة ولفهم الصحابة، لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره بل سوّوا بينهما وحرموا ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن. فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستفصلوا ويتحققوا التحريم.
ويأتي حديث عمر: أنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة، الحديث. وعمر من أهل اللغة، وإن كان يحتمل أنه أراد بيان ما تعلق به التحريم لا أنه المسمى في اللغة لأنه بصدد بيان الأحكام الشرعية ولعل ذلك صار اسماً شرعياً لهذا النوع فيكون حقيقة شرعية.
ويدل له حديث مسلم عن ابن عمر أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، قال الخطابي: إن الآية لما نزلت في تحريم الخمر وكان مسماها مجهولاً للمخاطبين بين أن مسماها هو ما أسكر، فيكون مثل لفظ الصلاة والزكاة وغيرهما من الحقائق الشرعية انتهى.
قلت: هذا يخالف ما سلف عنه قريباً ولا يخفى ضعف هذا الكلام فإن الخمر كانت من أشهر الأشربة عند العرب واسمها أشهر من كل شيء عندهم وليست كالصلاة والزكاة، وأشعارهم فيها لا تحصى؛ فكأنه يريد أنه ما كان تعميم الاسم بلفظ الخمر لكل مسكر معروفاً عندهم فعرفهم به الشرع، فإنهم كانوا يسمون بعض المسكرات بغير لفظ الخمر كالأمزار يضيفونها إلى ما يتخذ منه من ذرة وشعير ونحوهما، ولا يطلقون عليه لفظ الخمر؛ فجاء الشرع بتعميم الاسم لكل مسكر.
فتحصل مما ذكر جميعاً أن الخمر حقيقة لغوية في عصير العنب المشتد الذي يقذف الزبد، وفي غيره مما يسكر حقيقة شرعية، أو قياس في اللغة، أو مجاز، فقد حصل المقصود من تحريم ما أسكر من ماء العنب أو غيره إما بنقل اللفظ إلى الحقيقة الشرعية أو بغيره.
وقد علمت أنه أطلق عمر وغيره من الصحابة الخمر على كل ما أسكر، وهم أهل اللسان، والأصل الحقيقة فقد أحسن صاحب القاموس بقوله: والعموم أصح.
وأما الدعاوى التي تقدمت على اللغة كما قاله ابن سيده وشارح الكنز فما أظنها إلا بعد تقرير هذه المذاهب تكلم كلٌ على ما يعتقده ونزل في قلبه من مذهبه ثم جعله لأهل اللغة.
المسألة الثانية: قوله: "فجلده بجريدتين نحو أربعين" فيه دليل على ثبوت الحد على شارب الخمر وادعى فيه الإجماع، ونوزع في دعواه لأنه قد نقل عن طائفة من أهل العلم أنه لا يجب فيه إلا التعزير لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم ينص على حد معين وإنما ثبت عنه الضرب المطلق.
وفيه دليل على أنه يكون الجلد بالجريد وهو سعف النخل. وقد اختلف العلماء هل يتعين الجلد بالجريد على ثلاثة أقوال أقربها: جواز الجلد بالعود غير الجريد ويجوز الاقتصار على الضرب باليدين والنعال.
قال في شرح مسلم: أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب ثم قال: والأصح جوازه بالسوط.
وقال المصنف: توسط بعض المتأخرين فعين السوط للمتمردين، وأطراف الثياب والنعال للضعفاء ومن عداهم بحسب ما يليق بهم.
وقد عين قوله في الحديث "نحو أربعين" ما أخرجه البيهقي وأحمد بلفظ "فأمر قريباً من عشرين رجلاً فجلده كل واحد جلدتين بالجريد والنعال".
قال المصنف: وهذا يجمع ما اختلف فيه على تشعبه وأن جملة الضربات كانت أربعين لا أنه جلده بجريدتين أربعين.
المسألة الثالثة: قوله: "فلما كان عمر استشار ــــ إلى آخره" سبب استشارته ما أخرجه أبو داود والنسائي "أن خالد بن الوليد كتب إلى عمر: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة قال: وعنده المهاجرون والأنصار فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين".
وأخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد: أن عمر استشار في الخمر فقال له عليّ بن أبي طالب عليه السلام: نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى؛ فجلد عمر في الخمر ثمانين.
وهذا حديث معضل، ولهذا الأثر عن عليّ طرق، وقد أنكره ابن حزم كما سلف، وفي معناه نكارة لأنه قال: إذا هذي افترى والهاذي لا يعدّ قوله فرية؛ لأنه لا عمد له، ولا فرية إلا عند عمد.
وقد أخرج عبد الرزاق قال: جاءت الأخبار متواترة عن عليّ عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنّ في الخمر شيئاً. ولا يخفى أن الحديث الآتي يؤيده.
ولمسلم عن علي في قصة الوليد بن عقبة "جلدَ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أربعين، وجلَدَ أبو بكر أربعين، وجلد عُمَرُ ثمانين، وكلٌّ سُنّةٌ، وهذا أحبُّ إليَّ" وفي الحديث "أنَّ رجُلاً شهدَ عليهِ أَنهُ رآهُ يتَقَيّأُ الخمْرَ فقالَ عُثْمان: إنّهُ لم يتَقَيّأَهَا حتى شربها".




وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه قال في شارب الخمر: "إذا شرب فاجلدوه ثمَّ إذا شرب الثانية فاجلده، ثمَّ إذا شرب الثالثة فاجلدوه ثم إذا شرب الرَّابعة فاضربوا عنقه" أخرجه أحمد ــــ وهذا لفظه ــــ والأربعة).
اختلفت الروايات في قتله: هل يقتل إنْ شرب الرابعة أو إن شرب الخامسة؟.
فأخرج أبو داود من رواية أبان القصار وذكر الجلد ثلاث مرات بعد الأولى ثم قال: "فإن شربوا فاقتلوهم".
وأخرج من حديث ابن عمر من رواية نافع عنه أنه قال: وأحسبه قال في الخامسة: "فإن شربها فاقتلوه".
وإلى قتله فيها ذهب الظاهرية واستمر عليه ابن حزم واحتج له، وادعى عدم الإجماع على نسخه.
والجمهور على أنه منسوخ ولم يذكروا ناسخاً صريحاً، إلا ما يأتي من رواية أبي داود عن الزهري: أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترك القتل في الرابعة وقد يقال: القول أقوى من الترك فلعله صلى الله عليه وآله وسلم تركه لعذر.
(وذكر الترمذي ما يدل على أنه منسوخ، وأخرج ذلك أبو داود صريحاً عن الزهري).
يريد ما أخرجه من رواية الزهري عن قبيصة بن ذؤيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من شرب الخمر فاجلدوه ــــ إلى أن قال ــــ ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه. قال: فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به الرابعة فجلده فرفع القتل عن الناس فكانت رخصة".
وقال الشافعي: هذا ــــ يريد نسخ القتل ــــ مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم ومثله قال الترمذي والله أعلم.














Tidak ada komentar:

Posting Komentar